بدأ الاهتمام بشأن الصحة لدى السيد عبدالرحمن بن شيخ الكاف مبكراً وخاصة بعد سفره من حضرموت إلى سنغافورة سنة 1325هـ، ومشاهدته في سنغافورة التطور الكبير في هذا المجال، وما تعانيه حضرموت التي تفتقر إلى أدنى المقومات الصحية المتطورة، واعتماد أهلها على الوسائل الطبية القديمة (طب الأعشاب)، وكانت أولى خطواته العملية سنة 1333هـ/1915م، حيث استقدم أول طبيب يصل إلى حضرموت وهو الطبيب الهندي (جلال الدين أحمد)( )، ووضع تحت تصرف جمعية الحق كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أهم الإعمال التي قامت بها جمعية الحق.

وفي سنة 1344هـ/1925م، أرسل السيد عبدالرحمن من مهجره ثاني طبيب إلى حضرموت، وهو الطبيب الوطني السيد (عبدالهادي الجيلاني)( )، محمّلاً بالأدوية والعقاقير الأوربية واليابانية والهندية والصينية، والأدوات الطبية اللازمة، مثل آلات التقطير والترشيح الحديثة، التي بلغ كلفتها آلاف الدولارات ( ).

وقد تم توقيع اتفاق مع الدكتور عبدالهادي الجيلاني هذا نصه:

(الحمد لله؛ وبعد فلما كان يوم الخميس الموافق ثلاثة عشر من ربيع الأول عام ألف وثلاثمائة وأربعة وأربعين سنة 1344هـ.

فقد اتفق السيد عبدالرحمن بن شيخ الكاف مع السيد عبد الهادي بن عبدالله الجيلاني على فتح مستشفى وصيدلية بتريم على نفقة السادة آل الكاف وجميع الأدوية ولوازمها من المذكورين، وعليه أن يدواي ويعالج كل مريض، ولا يجوز له أن يأخذ من أحد شيئاً مطلقاً لا قيمة الدواء ولا أجرة التداوي، وقد اتفق السيد عبدالرحمن المذكور مع السيد عبدالهادي المذكور على جعل مرتب شهري له قدره ستة وثلاثون ريالاً ومسكن ومآكل له ولأبنه كل ذلك مقابل خدمته وتعبه لمدة ثلاث سنوات فليس للسيد عبدالهادي المذكور أن يتخلى عن وظيفته في هذه المده ولا أن يفرق بين الناس في التداوي والنصح في العمل والحرص على ما تحت يده وأن يرجع في جميع أموره لاستشارة السيد حسن بن عبدالله الكاف وأبي بكر بن شيخ الكاف والعمل برأيهما، وابتداء المرتب الشهري من أول يوم ربيع أول سنة 1344هـ، وقد استلم مقدماً من مرتبه المذكور من السيد عبدالرحمن المذكور مائة وخمسين ريالاً، وقد تعهد السيد عبدالهادي المذكور أن يصرف الأدوية في مصاريفها الخاصة وأن يقيد كل شيء في محله وأن يكتب في دفتر خاص جميع من يتداوى عنده مع بيان اليوم والشهر والسنة واسم الشخص المتداوي وعدد المرات التي ذهب إلى المريض أو أتى إليه فيها وضبط قدر ما صرف عليه من الأدوية، وقد جرى ما ذكر ورضي به المذكوران وهما السيد عبدالرحمن بن شيخ الكاف والسيد عبدالهادي الجيلاني والتزما به التزاماً شرعياً يجب الوفاء به، كل ذلك جرى من غير إكراه ولا إجبار والله رقيب.

صحيح : عبدالهادي بن عبدالله الجيلاني، السيد عبدالرحمن بن شيخ الكاف، شهد على ذلك: أبوبكر بن طه السقاف، عبدالله بن محمد بن حامد السقاف).

 قوبل الطبيب عبدالهادي من أهالي مدينة تريم بكل حفاوة وسرور، وباشر أعماله هناك بفتح عيادته في بيت السيد عبدالرحمن بن شيخ (خميران).

 وكان هذا البيت أول مستشفى عرفته حضرموت، وقد جهز بما يلزم من المعدات، ثم بني مكان خاص لها كما سيأتي الكلام عليه. وتبرع أيضاً السيد عمر بن شيخ الكاف بتجهيز صيدلية المستشفى، وانخرط في سلك المساعدين الشيخ كرامة سعيد بلدرم، وتوافد على الطبيب المذكور الكثير من المرضى، وذوو العاهات من تريم وخارجها( )، ثم استقدم السيد عبدالرحمن طبيب العيون المغربي (إمبارو محمد)، الذي توفي بتريم سنة 1354هـ، ودفن في مدافن أسرة آل الكاف بمقبرة (زنبل) بتريم، وقبره فيها معروف إلى الآن.

مستشفى الكاف الخيري بتريم

وبعد عودة عميد الأسرة الكَافِيَّة السيد عبدالرحمن الأخيرة إلى حضرموت سنة 1350هـ، تطورت لديه الفكرة في هذا المجال إلى مشروع تأسيس مستشفى كبير، ومجهز بأحدث الأجهزة والمعدات، وبنى له مكاناً مخصصاً لذلك، ويقع غربي قصره (خميران). وبالفعل بني هذا المستشفى الذي سمي بـ (مستشفى الكاف الخيري)، سنة 1355هـ/1936م، وجهز بالأجهزة الحديثة: كجهاز الأشعة (RAY – X) وغيره واسُتقدم له عددٌ من الأطباء كالطبيب (رندي)، والطبيب الإيطالي (مروشي)، والطبيب الهندي محمد عمر حياة البنجابي.

…………………

اتفاقية الطبيب لمستشفى الكاف بتريم

(1): المرتب الشهري يشمل الماهية والقوت والمسكن ولوازمه.

(2): هذه الاتفاقية هي لمدة ثلاث سنوات وتبتدي من يوم وصوله إلى تريم ويمكن تمديدها إلى سنة أخرى إذا أحب السادة آل الكاف.

(3): على السادة آل الكاف مصاريف سغر الطبيب اللازمة لسفره من بلده إلى تريم من نول في الدرجة الثانية في الباخرة ونحوه وعند قدومه من بلده وعند عودته إليها حين انتهاء مدة عمله.

(4): تعطى الطبيب إجازته المتفق عليه وتكون في آخر شهور السنين المتفق عليها.

(5): يعتبر الطبيب موظف عند السادة آل الكاف يداوي جميع أفراد عائلاتهم بحضرموت وسوف يقدم للطبيب قائمة تحوي أفراد العائلة الكاف جميعاً الذين سوف يداويهم وأيضاً يداوي من في بيوت آل الكاف ممن بمعيتهم من أخدام وموظفين ويكون تحت الطلب لمداواة المذكورين في أي وقت ليلاً أو نهاراً داخل تريم أو خارجها أو في أي مكان كان.

(6): يقوم الطبيب بالعمل في مستشفى الكاف بتريم بمعالجة الزائرين له من عامة الناس ومداواتهم وإجراء العملية الجراحية في الأوقات المقررة بالمادة (7).

(7): يحضر الطبيب للمستشفى يومياً لمعالجة المرضى ومعاينتهم صباحاً ومساء وقت العمل أربع ساعات صباحاً وساعة واحدة مساء ما عدا أيام الأعياد والجمعة.

(8): كل انسان يأتي المستشفى يداوى مجاناً من أي طبقة كانت غنياً أو فقيراً من أهل البلد وخارجها وطنياً كان غريباً.

(9): يلزم على الطبيب أن يسجل أسماء من يداويهم ويذكر أنواع أمراضهم وأوصاف أدويتهم وعليه يقدم بياناً سنوياً لإدارة المستشفى بأسماء الزائرين وأمراضهم وكمية ما صرف من الأدوية ويقيد الأدوية التي تصرف من المستشفى مجاناً وبثمن  في دفتر مخصوص كل ذلك بواسطته أو بواسطة الصيدلي الخاص للمستشفى يقدم ذلك في كل ستة شهور بياناً بالمصروفات من الأدوية مجاناً أو بثمن للمسؤول عن إدارة المستشفى والأدوية التي تصرف بثمن تدفع للمسؤول شهرياً.

(10): أدوات المستشفى وآلاته وأثاثه تقيد في دفتر تكون تحت مسؤولية الطبيب.

(11): لا يمكن طلب أدوية وأدوات وآلات المستشفى إلا بعد إطلاع وموافقة المسؤول عن المستشفى.

(12): الزيارات للناس الذين هم من غير عائلة الكاف لا يمكن زيارتهم خارج المستشفى في أوقات العمل في المستشفى إلا في حالة استثنائية خطرة أو بإشارة المسؤول عن إدارة المستشفى.

(13): على السادة آل الكاف مشاهرة الصيدلي وخدامي المستشفى.    

 وساعد الكثير من أبناء الأسرة الكَافِيَّة وبتوجيهات من عميدهم جنباً إلى جنب مع الأطباء المذكورين، فقد عمل السيد عبدالرحمن بن عبدالله بن حسن الكاف في المستشفى في مجال الجراحة والتضميد وضرب الحقن، والسيد أحمد بن عمر بن شيخ الكاف الذي عمل على جهاز الأشعة حتى إغلاق المستشفى، والدكتور عبدالقادر بن عبدالله بن حسن الكاف. وأسس بجانب المستشفى صيدلية للأدوية التي توزع مجاناً على المرضى، وممن عمل في هذه الصيدلية الطبيب الهندي محمد عمر حياة البنجابي( ).

وقد أحدث هذا المشروع نقلة نوعية في تطور الجانب الصحي بحضرموت، وقد عد الكثير من المستشرقين هذا المستشفى أول مستشفى أسس بحضرموت، وأول مستشفى حديث في المنطقة، من بين الدول المجاورة، من حيث تقديم الخدمات الطبية. وزاول المستشفى عمله الخيري إلى أن أغلق بسبب الظروف التي مرت بها البلاد في تلك الفترة، وتمت مصادرة كل ما فيه من المعدات والأدوات الطبية حوالى عام 1970م.

وفي المدة التي انتقل فيها السادة آل الكاف من تريم إلى سيوون، ومكثهم بها نحو العشرة أشهر سنة 1352هـ/1933م، أسس السيد عبدالرحمن بن شيخ مستشفى في مدينة سيوون في بيت الشيخ عاشور باحميد، وهو المكان الذي يقع في وسط مدينة سيوون في الجانب الجنوبي الشرقي من مسجد وقبة الحبيب علي بن عبدالله السقاف، ثم انتقل المستشفى إلى منزل السيدين صالح وأبي بكر بن عمر بن عقيل الحامد.

 وممن عمل في مستشفى الكاف بسيوون الطبيب الهندي محمد عمر حياة، ونجل المترجم له طبيب الأسنان شيخ بن عبدالرحمن بن شيخ الكاف.

(من كتاب عميد الأسرة الكَافِيَّة السيد عبدالرحمن بن شيخ الكاف.  تأليف السيد علي بن أنيس الكاف )