مقالات, منوعات

الجاحظ

هو أبو عُثْمان عُمَرُو بن بَحر بن مَحْبُوبٌ بن فَزارَة اللَّيْثِيّ الْكِنَانِيّ الْبَصَرِيّ المعروف بالْجَاحِظ (159 هـ-255 هـ) أديب عربي كان من كبار أئمة الأدب في العصر العباسي، ولد في البصرة وتوفي فيها.ألف كتباً كثيرة يصعب حصرها، وتعتبر كتبه دائرة معارف لزمانه، فقد كتب في كل شيء تقريبًا؛ كتب في علم الكلام والأدب والسياسية والتاريخ والأخلاق والنبات والحيوان ولعل من أشهركتبه البيان والتبيين، كتاب الحيوان والبخلاء.

 وقد لقب بالجاحظ لجحوظ واضح في عينيه. كان الجاحظ واسع الأطلاع غزير المعرفة استوعب كل الثقافة العربية واليونانية والفارسية التي عرفها عصره واستحق مكانه المتميز في تاريخ الثقافة العربية بما له من تأثير واضح قوي في كل من جاءوا بعده.  وأخذ الجاحظ  العلم على أعلامه. فقد أخذ النحو عن الأخفش وأخذ علم اللغة العربية عن الأصمعي وأبي عبيدة وأخذ عللم الكلام عن إبراهيم بن سيار البصري.

 كان الجاحظ لسان حال المعتزلة في زمانه، فرفع لواء العقل وجعله الحكم الأعلى في كل شيء ورغم اقباله على الفلسفة اليونانية فإنه لم يقف أمام أرسطو موقف التلميذ الذي يصدق كل ما يقوله معلمه بل كان يقبل منه ما يقبله عقله، ويرد عليه ما يرفضه عقله، بل إنه كان يسخر منه في بعض الأحيان.

وكان الجاحظ يؤمن بأهمية الشك الذي يؤدي إلى اليقين عن طريق التجربه  يرفض الخرافات كلها ، وينقد من يرويها من العلماء أمثال أبي زيد الأنصاري، فيقول: إن أبا زيد أمين ثقة، لكنه ينقصه النقد لأمثال هذه الأخبار التي يرويها عن السعالي والجن، وكيف يراهم الناس ويتحدثون إليهم ويتزوجونهم وينجبون؟.

وكان الجاحظ يرفض وضع صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكانة أعلى من البشر، وأنه يحق لمن جاء بعدهم أن ينتقد أعمالهم ويقيمها وينقدها، فهو يرى أن من حق المؤرخ أن يتناول أعمالهم بميزان العقل، لأنهم بشر كالبشر يخطئون ويصيبون، وليسوا ملائكة. والجاحظ بهذا الفكر الذي يعلي من شأن العقل، وهذه الثقافة المتنوعة الجامعة، وهذا العمر المديد بما يعطيه للمرء من خبرات وتجارب، وهذا الأسلوب المميز: استحق مكانه المتميز في تاريخ الثقافة العربية بما له من تأثير واضح قوي في كل من جاءوا بعده. أما ما يؤخذ عليه فهو ما يؤخذ على المعتزلة  عموما.

ألف الجاحظ نحوا من 360 كتابًا في كل فروع المعرفة في عصره وكان عدد كبير من هذه الكتب في مذهب الاعتزال.. وبحث مشكلاته لكن التعصب المذهبي أدى إلى أن يحتفظ الناس بكتب الجاحظ الأدبية ويتجاهلوا كتبه الدينية فلم يصل إلينا منها شيء ويعتبر البيان والتبيين من أخر ماكتب الجاحظ.. وهو كتاب في الأدب يتناول فيه موضوعات متفرقة مثل الحديث عن الأنبياء والخطباء والفقهاء وعن البلاغة واللسان والصمت والشعر والخطب وغير ذلك.

أما كتاب الحيوان -وهو من مؤلفات الجاحظ الأخيرة أيضا- فقد كان أول كتاب جامع  وضع في العربية في علم الحيوان.. لأن من كتبوا قبل الجاحظ في هذا المجال أمثال الأصمعي  كانوا يتناولون حيوانًا واحدًا مثل الإبل أو النحل أو الطير وكان اهتمامهم  بالناحية اللغوية وليس العلمية ، ولكن الجاحظ اهتم إلى جانب اللغة والشعر بالبحث في طبائع الحيوان وغرائزه وأحواله وعاداته.. عمومًا  

وقد تميز أسلوب الجاحظ في الكتابة فهو سهل واضح فيه عذوبة واستطراد بلا ملل، وفيه موسوعية وإيمان بالعقل لا يتزعزع.

ويشبه أسلوب قصص ألف ليلة وليلة المتداخلة فالجاحظ يتناول موضوعًا ثم يتركه ليتناول غيره.. ثم يعود للموضوع الأول.. وقد يتركه ثانية قبل أن يكمله وينتقل إلى موضوع جديد. وقد اكتسب الجاحظ اسلوبه من المجتمع والبيئة التي نشأ فيها. فعندما كان صغيرا كان يبيع الخبز والسمك وكان يتلقى مبادئ العلوم مع أمثاله من الصبيان في كتاب القرية الذي كان يتردد عليه، فسرت فيه روح الخفة و التهكم.كما كان لبيئته الفكرية أثرها الكبير في نمو السخرية عنده، و براعته فيها. فإنه بعد أن أكمل دراسته في الكتاب قصد شيوخ البصرة  و ائمتها في العلم و الأدب ومن شيوخ البصرة الذين لا يضيعون فرصة للسخرية أبو عبيدة بن معمر المثني، و إبراهيم بن سيار النظام؛ الذي كان مشهوراً بالدعابة و السخرية
كان الجاحظ أول مؤلِّف في تاريخ الأدب يخص كتبًا كاملة في السخرية تحليلاً و دراسة لمجتمعه، كما فعل في البخلاء، وهو كتاب ادب وعلم وفكاهة ومن أجمل ما كتب الجاحظ فلا نعرف كتابا يقوقه، إذ ظهرت فيه روحه الخفيفة التي تهز الارواح، وتجتذب النفوس وقد وصف في كتابه ذاك الحياة الاجتماعية في صدر الدولة العباسية وأطلعنا على الكثير من عادات الناس وسلوكهم وأخبارهم الخاصة والعامة. فقام بتصورير البخلاء بواسطة أسلوبه الفني الأدبيّ تصويرًا حسيًّا ملامِسًا للواقعِ بطريقة فكاهيّة، فوصف تصرّفات أولئك البخلاء وحركاتهم وسكناتهم والنظرات التي يعتريها القلق أو تلك التي تنعم بالطمأنينة، وجسَّد النزوات النفسية التي تصيبهم وكشف أسرارهم وخفايا منازلهم واطلعنا على مختلف أحاديثهم، ومن براعة الجاحظ وجمال أسلوبه فإنه لا يترك لهم أثراً سيئاً في نفوسنا والحق فإن الكتاب عباره عن دراسة اجتماعية تربوية نفسية لهذا الصنف من الناس.

وفاته  أصيب الجاحظ بالشلل في آخر حياته وتوفي بعد أن سقطت عليه بعض الكتب ولقب بشهيد الكتب.

محمد باعثمان

Previous ArticleNext Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *