علوم وتقنية

الأمام الأعظم أبو حنيفة النعمان

الأمام الأعظم أبو حنيفة النعمان

اسمه ونسبه: هو النعمان بن ثابت بن المرزبان ، من أبناء قارس الأحرار، ينتسب إلى أسرة شريفة قي قومه ، أصله من كابل -عاصمة أفغانستان اليوم – أسلم جده المرزبان أيام عمر رضي الله عنه ، وتحول إلى الكوفة ، ، واتخذها سكنا. ولد أبو حنيفة رحمه الله تعالى بالكوفة سنة ثمانين على القول الراجح ، في أيام الخليفة عبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى .

. نشاته العلمية وتقلبه في العلوم : ا-نشأ رحمه الله تعالى بالكوفة ، في أسرة مسلمة صالحة غنية كريمة ، ويبدو أنه كان وحيد أبوبه، وكان أبوه خزازأ، يبيع الأثواب في دكان له بالكوفة ، ولقد خلف أبوحنيفة أباه بعد ذلك فيه . حفظ القران الكريم في صغره ، شأن أمثاله من ذوي النباهة و الصلاح، ويبدو أنه لم يعلق بسماع دروس العلماء وحضور حلقاتهم ، بل كان يكون مع والده في دكانه إلى أن وافق لقاء بينه وبين الشعبي ، كان فاتحة خير عظيم في حياة الإمام رحمهما الله تعالى. روى أبو محمد الحارثي بسنده إلى الإمام أني حنيفة رحمه الله تعالى ، قال : مررت يوما على الشعبي وهوجالس، فدعاني وقال : إلام تختلف ؟ فقلت : أختلف إلى فلان ؟ قال : لم أعن إلى السوق ، عنيت الاختلاف إلى العلماء، فقلت له : أنا قليل الاختلاف إليهم ، فقال : لا تفعل ، وعليك بالنظر في العلم ، ومجالسة العلماء؟ فإني أرى فيك يقظة وحركة. قال : فوقع في قلبي من قوله ، فتركت الاختلاف – أي إلى السوق – وأخذت في العلم ، فنفعني الله تعالى بقوله )

 وحين بلغ السادسة عشر من عمره خرج به أبوه لأداء فريضة الحج وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم ومسجده . ذكر الإمام الكردري في كتابه مناقب الإمام أبي حنيفة  عن أبي يوسف ، قال: سمعت أبا حنيفة يقول : حججت مع أبي سنة ست وتسعين ولي ست عشرة سنة ، فإذا أنا بشيخ قد اجتمع عليه الناس ، فقلت لأبي : من هذا الشيخ ؟ قال : هذا رجل قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، فقلت لأبي : أي شيء عنده ؟ قال  أحاديث سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم ، قلت : قدمني إليه ، فتقدم بين يدي ، فجعل يفرج عني الناس حتى دنوت منه، فسمعت منه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تفقه في دين الله كفاه همه، ورزقه من حيث لا يحتسب “. وكان أول ما اتجه إليه أبو حنيفة من العلوم علم أصول الدين ومناقشة أهل الإلحاد والضلال ، ولقد دخل البصرة أكثر من سبع وعشرين مرة، يناقش ، ويجادل ويرد الشبهات عن الشريعة ، ويدفع عنها ما يريد إلصاقه بها أهل الضلال ، فناقش جهم بن صفوان حتى أسكته ، وجادل الملاحدة حتى أقرهم على الشريعة ، كما ناظر المعتزلة والخوارج فألزمهم الحجة ، وجادل غلاة الشيعة فأقنعهم. وهو مع قضائه زمنا يجادل ويناظر في أصول الدين كما ذكرنا، كان ينهى أصحابه – بعد – والمقربين إليه عن الجدل ، رأى رحمه الله تعالى ولده حمادا- الذي أصبح بعد قاضيا فاضلا وعابدا ورعا- يناظر في الكلام ، فنهاه ، فقال حماد: رأيناك تناظر فيه وتنهانا عنه فقال رحمه الله تعالى : كنا نناظر وكأن على رؤوسنا الطير، مخافة ان يزل صاحبنا، وأنتم تناظرون وتريدون زلة صاحبكم ، ومن أراد أن يزل صاحبه فقد أراد أن يكفر صاحبه ، ومن أراد أن يكفر صاحبه فقد كفر قبل أن يكفر صاحبه ومضى رحمه الله تعالى في هذه السبيل من علم الكلام وأصول الدين ، ومجادلة الزائغين وأهل الضلال ، حتى أصبح علما يشار إليه بالبنان ، وهو ما يزال في العشرين من عمره ، وقد اتخذ حلقة خاصة له في مسجد الكوفة ، يجلس إليه فيها واتجه إلى الفقه. والفقه زبدة القران الكريم والسنة المطهرة ، ففي الفقه تفسير لآيات الأحكام من القران الكريم ودلالتها، وفيه معرقة معانيها ومقاصدها، وفي الفقه كذلك شرح السنة المطهرة ودلالتها، وفيه معرفة معانيها ومقاصدها؟ ذلك لأن الفقه هو الفهم في الدين ، وهل الفهم فيه إلأ معرفة أصوله ومقاصده ، وإحالاته ودلالاته وإشاراته . عن معاوية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ” . رواه البخاري . ولقد تكون الآية الكريمة عند القارىء، والحديث الشريف عند الحافظ ، ولا يعرف كل تمام مقصد ومعنى ما عنده ، حتى يأتي الفقيه فبين معاني الآية ويشرح معاني الحديث. ،

شيوخ الامام رحمه الله تعالى: شيوخ الإمام رحمه الله تعالى بلغوا أربعة الاف شيخ ، فيهم سبعة من الصحابة ، وثلاثة وتسعون من التابعين ، والباقي من أتباعهم . ولا غرابة في هذا ولا عجب، فقد عاش رحمه الله تعالى سبعين سنة ، وحج خمسا وخمسين مرة ، وموسم الحج يجمع علماء العالم الإسلامي في الحرمين الشريفين ، وأقام بمكة رحمه الله تعالى ، حين ضربه ابن هبيرة على تولي القضاء بالكوفة ثم هرب منه ست سنين. وكانت الكوفة مركز علم وحديث ، تعج بكبار العلماء فقد كان الإمام حريصاعلى اللقاء والاستفادة من العلم وأهله وتيسر له في خمس وخمسين سنة ان يلتقي بأربعة آلاف شيخ ، وأن يأخذ عنهم ، ما بين مكثر منه ومقل ولو حديثا

وروى الموفق بسنده إلى أبي إسرائيل قال : كان أبو حنيفة جوادا يواسي أصحابه ويبرهم في الأعياد، ويرسل إلى كل واحد منهم على قدر منزلته ، ويزوج من احتاج إليه ، وينفق من عند نفسه ، ويقوم في حوابجهم، وكان ورعا زاهدا،صواما، تاليا لكتاب الله تعالى ، عالما بما فيه ، غاية في الفقه لم يسمع بمثله في فنه.

فما هي الأصول التي بنى عليها الإمام مذهبه العلمي، وقد عم المشارق والمغارب ، ويتعبد لله تعالى على ذلك المذهب إلى اليوم الكثير من المسلمين ؟.

جاء في كتاب الانتقاء أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال اخذ بكتاب الله تعالى ، فإن لم أجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم أجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت بقول الصحابة آخذ بقول من شئت منهم وأدع قول من شئت منهم ، ولا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم ، فإذا انتهى الأمر -أو جاء- إلى إبراهيم والشعبي وابن سيرين والحسن وعطاء وسعيد بن المسيب -وعدد رجالا- فقوم اجتهدوا، فأجتهد كما اجتهدوا.

Previous ArticleNext Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *