التعليم

المعهد الديني في غيل باوزير(2)

مقابلة مع الأستاذ / محسن أحمد بن شملان عن ذكرياته عن المعهد الديني
كانت سدة المكلا قد نشرت قبل حوالي شهرين مقالا عن المعهد الديني في غيل باوزير والذي أشار إلى أنه تخرج من هذا المعهد كوكبة من شباب حضرموت قادت وساهمت في التغيرات والأحداث التي تعاقبت على حضرموت بشكل خاص واليمن بشكل عام من خمسينات القرن الماضي إلى يومنا هذا ، ومتابعة لهذا الموضوع فقد طلبنا من الأستاذ / محسن بن شملان أن يقوم بتسليط الضوء على الحياة داخل وخارج جدران المعهد الديني وتقديم المزيد من التفاصيل عن حياة الطالب في المعهد وكيف كانت الظروف والأحوال في حضرموت خلال تلك الفترة.

أبو عبدالله هل لك في البدء أن تقدم للقراء نبذة موجزة عن السيرة الذاتية الخاصة بكم؟
ج- أنا من مواليد عام ١٩٤٥م في قرية السويري من أعمال مديرية تريم بوادي حضرموت، وتلقيت تعليمي الإبتدائي بها، ثم انتقلت إلى مدينة غيل باوزير للدراسة في المرحلة المتوسطة بالمعهد الديني بها، بعد ذلك تحصلت على منحة دراسية في مصر للدراسة في الأزهر الشريف بداية عام ١٩٦٠م،وبعد حصولي على الشهادة الثانوية عدت لليمن لتدريس في مدارس عدن وحضرموت، ثم التحقت بعد سنوات بكلية التربية –جامعة عدن لأتحصل على درجة البكالوريوس عام ١٩٨١م في اللغة الإنجليزية، وعملت معيدا فيها، ثم تحصلت على شهادة الدبلوم بعد التخرج Postgraduateمن جامعة لانكاستر بالمملكة المتحدة وشهادة الماجستير في علم اللغة التطبيقي من جامعة سالفورد بالمملكة المتحدة أيضا.
عملت مدرسا ثم أستاذا مساعدا في جامعات عدن وحضرموت وصنعاء وجامعة العلوم والتكنولوجيا، كما أني شغلت منصب وكيل لمحافظة حضرموت من عام ١٩٩٤إلى عام ٢٠٠١١م. لدي اهتمام بالأدب ولي إسهامات في الشعر وعندي مجموعة شعرية صغيرة بعنوان (الوجه الضائع) وأخرى تحت الطبع.
وأنا عضو قيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح وشاركت في عدد من المؤتمرات منها مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء عام ،٢٠١٣ومؤتمر التشاور اليمني في الرياض هذا العام. متزوج ولي من الأولاد ثلاثة أبناء وخمس بنات وعدد لا بأس به من الأحفاد حفظهم الله جميعا وإيانا وإياكم.

– قبل أن ننتقل إلى التحاقكم بالرباط هل يمكنكم الحديث عن الدراسة في السويري في المرحلة الابتدائية كيف كانت المدرسة والفصول هل كانت مجهزة بشكل جيد ، هل تذكر أسم أحد من المدرسين – هل كانت الكتب متوفرة ومجانية؟


ج- افتتحت مدرسة السويري رسميا كمدرسة حكومية من قبل السلطنة القعيطية عام ١٩٤٩بإشراف إدارة المعارف التي كانت تمدها سنويا بالأثاث المدرسي اللازم من كراسي وأمياز ولوائح وغير ذلك إلى جانب الكتب المدرسية والدفاتر والأقلام والطباشير وكل ما كان ضروريا لسير العملية التعليمية، وطبعا كل ذلك كان مجانا تتحمله إدارة المعارف إلى جانب توفير المدرسين ونقلهم بسيارات الإدارة إلى مناطق عملهم. كان معظم المدرسين في ذلك الوقت يأتون من ساحل حضرموت خاصة من المكلا والغيل والشحر،ومنهم من أهل المنطقة، أذكر منهم على سبيل المثال المشائخ سعيد محمد برعيّة وعلوي بن حسن العيدروس وعبد العزيز بن عمر بن شملان وحاج باجبع وأحمد السقاف ومحمد عتعوت
باوزير وعلى عبد الشيخ جاد الله وفرج بكوره وغيرهم رحمهم الله جميعا.

  • حسنا بعد حصولكم على الشهادة الابتدائية كيف كانت إجراءات التسجيل في المعهد الديني وهل تذكر كيف كانت شروط القبول ولماذا تم اختيار المعهد الديني على وجه الخصوص؟

ج – كانت هناك في وقتنا للمرحلة المتوسطة مدرسة واحدة فقط في غيل باوزير كتب عنها السفير الراحل محمد مديحج كتابا اسمه (المدرسة الأم) ، وذلك إلى جانب المعهد الديني بالغيل ومعهدا تدريبيا للمعلمين مدته سنتان. أما من حيث القبول فكان الأمر سهلا وبسيطا وعادلا فكان يُختار الأربعون الأوائل من جميع المدارس الإبتدائية للمدرسة الوسطى والأربعون الذين يلونهم للمعهد الديني، أما معهد المعلمين فكان العدد محدودا في ذلك الوقت. أذكر كان ترتيبي في امتحان الشهادة الإبتدائية الواحد والأربعون فكان المعهد الديني من نصيبي.
– يحضرني سؤال بهذه المناسبة بحكم أنكم كنتم في السويري تتبعون للدولة الكثيرية وهو أن الطالب أو المواطن في الدولة الكثيرية كان يمكنه التمتع بحقوق المواطن في الدولة القعيطية دون تمببز هل تتفق معي في هذا الطرح؟
ج- أولا أود أن أصحح هذه المعلومة، فالسويري كانت تابعة للمنطقة الشرقية ومركزها دمون، والمنطقة الشرقية كانت تابعة للواء شبام التابع للسلطنة القعيطية. لكن كان هناك طلاب يأتون من مناطق الدولة الكثيرية للدراسة في غيل باوزير وغيرها من مناطق الدولة القعيطية دون تمييز، وعندما زاد عدد المدارس كان هناك طلاب من المناطق القعيطية يدرسون في سيئون وتريم وغيرها من مناطق السلطنة الكثيرية.

  • كيف وصلتم إلى غيل باوزير وبعبارة أخرى كيف كانت المواصلات في تلك الفترة وهل ذهبت – لوحدك أو بصحبة أحد من الأهل؟

 ج- في ذلك الوقت، أي في منتصف الخمسينات من القرن الماضي كانت هناك أعداد قليلة جدا من سيارات اللوري التي كانت تحمل البضائع من الساحل إلى الوادي، فكنا ننتظرها حتى تفرغ حمولتها فتأخذنا إلى مدن الساحل بأجر زهيد لايتعدى الثلاث شلنات، وكنا نسترجع تلك الشلنات من صندوق الخيرية بعد أن نقدم لهم سند استلام من سائق السيارة. كان على رأس الصندوق الشيخ سالم بن حميد وكان رجلا فاضلا نزيها. وفي أول رحلة ذهبنا مجموعة من الطلبة كان منا الإخوة طالب بن شملان ومحمد عوض بن شملان رحمهما الله ونزيه أحمد بن شملان والعبد الفقير حفظنا الله وإياكم، كما كان معنا في تلك الرحلة الأساتذة فيصل عثمان بن شملان وأحمد عبد الشيخ بن شملان رحمهما الله وجميع المسلمين.
– حسنا التحقتم الأن بالمعهد الديني كيف كان نظام السكن وبرنامج التغذية للطلاب في المعهد؟
ج- كان الطلبة على قسمين، القسم الخارجي وهم سكان الغيل والقرى المجاورة، والقسم الداخلي وهم الذين أتوا من مناطق بعيدة في الساحل أو الداخل. وطلبة الداخلية توزعوا بين ثلاث عنابر كانت تسمى منازل اختير لها أسماء مميزة إما تاريخية أو جغرافية فالمنزل الذي كنت ضمن ساكنيه كان اسمه (طارق بن زياد) وهكذا . كان كل عنبر يضم حوالى عشرين سريرا من القش أو الحبال مغطى بفرش نظيف وبطانية، وكان لكل عنبر مندوب من الطلبة يتولى حفظ النظام فيه ويوزع المسئوليات الخاصة بالتنظيف والإلتزامات الأخرى.
أما التغذية فكانت هناك ثلاث وجبات رئيسية تتكون من الفول أو البيض أو الإدام مع الروتي والشاي في الصباح، والأرز مع السمك ونادرا مع اللحم للغداء، و روتي مع الإدام أوالشاي في المساء. وكان الطلبة يعوضون عن النواقص بما يشترونه من الخارج من بسكويت أو حلوى أو ماشابه ذلك.

كيف هو البرنامج اليومي للطالب في المعهد الديني وهل توجد أنشطة رياضية أو ثقافية يمارسها الطالب؟

 ج- يبدأ البرنامج اليومي بصفارة الإستيقاظ من النوم قبل أذان الفجر للإستعداد للوضوء ثم صلاة الفجر،
بعد ذلك بقليل ينخرط الطلاب في النشاط الصباحي من تنظيف وتكنيس الغرف السكنية والدراسية ومنهم
من يساهم في جمعية صغار المزارعين بغرس أنواع البقول أو تنظيف الشجيرات أو سقي الزراعة، بعد
ذلك تنطلق صفارة الرياضة الصباحية وهي عادة جري أو ركض أو جمباز ويذهب الطلاب بعدها
لتناول الإفطار ثم يستعدون للطابور الصباحي بملابسهم النظيفة ويكون تحضير الطلاب في هذا الطابور
من قبل الطلبة المسئولين عن الصفوف الدراسية، بعد ذلك ينصرف الطلاب إلى قاعات الدرس حسب
مستوياتهم الدراسية وذلك لمدة حصتين مدة كل منهما ٤٥دقيقة، ثم تنطلق صفارة الإستراحة الأولى
وينصرف الطلاب لشرب الشاي أو قضاء حاجاتهم ثم يأتون للصفوف لمدة حصتين ثم تنطلق الصفارة
للإستراحة الثانية لمدة ١٥دقيقة ثم تنطلق الصفارة من جديد لتكملة الحصتين الأخيرتين. بعد انتهاء
الدراسة صلاة الظهر ثم تناول الغداء في المطعم المخصص لذلك ثم يتجه الطلاب إلى غرفهم السكنية
للراحة وهي راحة إلزامية يمنع الطلبة من الخروج من غرفهم إلا للضرورة، بعد ذلك تنطلق الصفارة
لصلاة العصر (لاحظ أن الصفارة تلعب دورا رئيسيا في تنظيم الأوقات كلها، بينما كانوا في المدرسة
الوسطى يستعملون الجرس). بعد العصر ينطلق الطلاب لممارسة أنواع الرياضات البدنية من كرة قدم
أوكرة سلة أو سباحة أو غير ذلك. بعدها يعودون لصلاة المغرب ليذهبوا بعد ذلك مباشرة للمذاكرة في
الصفوف الدراسية حيث تضاء مصابيح الشمع البيضاء (التريكات ) والمذاكرة إلزامية، بعد ذلك صلاة
العشاء ثم العشاء ثم السمر حتى الساعة العاشرة أو أكثر قليلا، ثم تنطلق صفارة النوم فتخف ُت الأصوات
ويذهب الطلاب إلى منازلهم للنوم. هذا هو البرنامج اليومي عادة، و تحصل استثناءات عادة وقت
الإجازة الأسبوعية أو الإجازات الرسمية.
أما الأنشطة فكانت متنوعة منها الأنشطة الرياضية المتنوعة والنشاط في الصحافة فكانت الصحف
الجدارية التي يحررها الطلبة أنفسهم بإشراف أساتذتهم، وهناك الجمعيات الأدبية التي كانت تعقد
الندوات المسائية وتمثيل المسرحيات التاريخية وغيرها، وهناك حفلات السمر الجماعية. كما كانت تعقد
المنافسات في تلك الأنشطة داخل المعهد بين العنابر وبين طلاب الصفوف، على أن أكثرها حماسة تلك
المنافسات التي كانت تعقد بين المدارس وخاصة بين طلاب المعهد وطلاب المدرسة الوسطى.

  • كم هي مدة الدراسة بالمعهد وهل كان للمعهد منهج تعليمي خاص به أو كان منهجا مصريا حسب سمعت؟

 ج- كانت مدة الدراسة أربع سنوات تناغما مع السلم التعليمي في ذلك الوقت4-4-4 للمراحل التعليمية
الإبتدائية والمتوسطة والثانوية وذلك قبل أن يتحول وفق النظام المصري إلى 6-3 -3 أما المنهج فكان
مزيجا من التعليم الديني ذي التركيز على العلوم الإسلامية واللغة العربية والعلوم الحديثة من رياضيات
وكيمياء وأحياء وفيزياء مع استقدام اللغة الإنجليزية. كان شبيها إلى حد كبير بمنهج المعاهد العلمية التي
كانت سائدة في الجمهورية اليمنية قبل الوحدة وبعدها بزمن يسير.
– ماهي الشهادة التي يمنحها المعهد للطالب المتخرج وهل تؤهله لمواصلة الدراسة في الثانويات الحكومية؟
ج- كانت شهادة متوسطة باسم المعهد الديني ومعتمده من إدارة المعارف بالدولة القعيطية آنذاك. وكانت تلك
الشهادة تؤهل حاملها لمواصلة الدراسة الثانوية في حضرموت وفي الخارج.

–  كيف كانت جودة التعليم والخدمات التي تقدمها إدارة المعهد للطلاب؟

ج- كانت نسبة الجودة عالية جدا مقارنة بجودة التعليم هذه الأيام، يكفي أن تعلم أن الخريجين ينزلون إلى ميدان العمل بعد فترة تدريب وجيزة سواءا كمدرسين أو إداريين أو مساعدي قضاة ليؤدوا عملهم بنجاح وامتياز.
– هل تتذكر أحد من زملاء الدراسة أو معلميها؟


ج- طبعا أذكر الكثير منهم ولو شئت لملأت لك عدة صفحات، ولكني سأذكر نموذجا محدودا فقط على سبيل المثال لا الحصر مع احترامي للجميع. فمن المدرسين أذكر شيخنا الجليل على محمد بن يحي وكان عالما متمكنا خريج الأزهر الشريف وحاملا للشهادة العالمية التي تعادل شهادة الدكتوراة حاليا بل ربما أفضل، كما أذكر المشايخ الكرام العلامة محسن بونمي المفتي المشهور والشيخ سعيد عوض باوزير والأستاذ الألمعي والشاعر الرائع محمد عوض عشار والأساتذة الكرام فرج سعيد بن غانم رئيس الوزراء الأسبق وعبد الحافظ الحوثري وأحمد جميل رحم الله الأموات منهم وبارك في أعمار الأحياء. أما الطلبة فأذكر منهم سعيد محفوظ بارقعان وعبد القادر أحمد الحوثري وسعيد سالم قرنح وعبدالله عمر بلفقيه وسالم طاهر لرضي وعمر أحمد بن ثعلب وسعيد سالم بن سلمان وسعد قشمر رحم الله الأموات منهم وبارك في الأحياء.

Previous ArticleNext Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *