المجتمع

تريم مدينة العلم والحضارة (2)

 الأربطة والزوايا الدينية

ولم يقتصر تميز مدينة تريم على المباني والقلاع والأسوار، بل إنها تميزت في الواقع بما هو أهم من ذلك، وهي أنها كانت حاضنة للكثير من الأربطة والزوايا الدينية التي قامت بنشر علوم اللغة العربية والتفسير والحديث والفقه وتأسست فيها مدرسة لها طابع خاص تقوم على فهم المقاصد الشرعية والتمسك بالثوابت والبعد عن الغلو.

وتعتبر قبة أبي مريم لتحفيظ القرآن الكريم وجامع المحضار بمنارته العالية وجامع تريم الذي عَمَّره الحسين بن سلامة في عهد ابن زياد ومسجد الوعل، الذي قيل إنه أول جامع في تريم ومزار أحمد بن عبَّاد بن بشر، وقبب آل الشيخ بن سالم أبي بكر، من أهم المعالم الدينية في مديرية تريم. وقد كانت تلك الزوايا والمدارس منارة للعلم منذ عهود قديمة .

ويظل رباط تريم الذي بني وتم افتتاحه سنة (1304هــ) يقع هذا الرباط في قلب مدينة تريم بالجمهورية اليمنية، وتأسس عام ألف وثلاثمائة وأربعة هجرية (1304 هـ) على يد نخبة من أعيان السادة باعلوي من آل الحداد وآل الجنيد وآل السري وآل الشاطري وآل عرفان، وقد انبرى نخبة من أعيان السادة المؤسسين ووقفوا أرض الرباط ثم وقف جزءاً من أرضيته أيضا الحبيب أحمد بن عمر الشاطري.

وقد تم افتتاحه في 14 محرم عام 1305 هـ وتبرع له أيضاً بعض المحسنين بشراء بعض العقارات، فتم افتتاحه كما ذكرنا على يد نخبة من العلماء وأعيان مدينة تريم في ذلك العام برئاسة مفتي الديار الحضرمية الإمام السيد عبد الرحمن بن محمد بن حسين المشهور مؤلف كتاب (بغية المسترشدين) وكانت تريم إذ ذاك تعج بكثرة الفقهاء والعلماء

وقد خرج من تريم كثير من العلماء والأدباء والشعراء المبرزين، كعبدالله بن علوي الحداد، وعبدالرحمن بن عبدالله بلفقيه، وأبي بكر بن شهاب، ومفتي تريم عبدالرحمن المشهور، والمؤرخ محمد بن أحمد الشاطري، وسالم بكير، وغيرهم كثير ممن لا يحصيهم عد، ولا يحصرهم حد.  وكان موقعها في طريق البخور، وبعد الإسلام نالت شهرة دينية واسعة كمركز إشعاع علمي وفكري وديني، حيث أقيمت فيها الكثير من المراكز العلمية، وبالتالي فقد وفد إليها طلبة العلم من المناطق اليمنية المختلفة، وكذا من الدول الإفريقية القريبة، ومن الدول المجاورة بل ومن إندنوسيا والشرق الأقصى، وقد ساعدها في القيام بهذا الدور الريادي كثرة أربطتها العلمية والمساجد والزوايا العامرة بالتدريس، وتعدد علمائها، ومن أهم هذه الأربطة والمساجد والزوايا رباط تريم، ورباط مسجد الفتح الذي وصفه البعض في ذروة نشاطه العلمي بأنه الأزهر الصغير، ومدرسة أبي مريم وهو محمد بن عمر بن محمد بن أحمد ابن الفقيه المقدم المتوفى سنة 822هـ، ومدرسة الشيخ سالم بافضل الواقعة بإزاء مسجده، وهي من أقدم مدارس تريم، ومدرسة الشيخ حسين بن عبدالله الحاج، وهي الواقعة في غربي جبانة تريم، وتسمى اليوم بمسجد “شكره”، ومدرسة باغريب، ومدرسة آل باجمعان، أما أشهر مساجد المدينة، فنذكر منها:

  • المسجد الجامع الذي أسس في الفترة ما بين 375 و402هـ. 
  • مسجد الوعل أحمد عباد بن بشر الأنصاري. 
  • مسجد عاشق، المعروف بمسجد أبي حاتم سابقًا. 
  • مسجد باعلوي الذي بناه الإمام علي بن علوي، المعروف بخالع قسم.
  • مسجد الفتح الذي بناه الإمام عبدالله بن علوي بن محمد الحداد، وهو مسجد تم إعادة تجديده وتوسعته في السنوات الأخيرة على أيدي مهندسين وبنّائين مهَرَة محليين، ومن الهند وباكستان والمغرب. 
  • مسجد المحضار الذي اشتهر بمئذنته التي ترتفع أكثر من خمسين مترًا، وتعتبر هذه المنارة من أشهر المعالم الإسلامية والمعمارية البارزة على مستوى اليمن، كونها مبنية من الطين، وبأسلوب هندسي فريد، جعلها تصمد أمام العوامل الجغرافية لأكثر من 100 عام حتى الآن.

وقد أعطت هذه المساجد والكتاتيب والمكتبات التي تم بناؤها في فترة العصر الإسلامي الذهبي فيما بين القرنين العاشر والثالث عشر الهجري- أعطت للمدينة شهرة واسعة حتى اليوم، وقد ذكر المؤرخون أنه كان يوجد بمدينة تريم حوالي 365 مسجدًا تمثل كل يوم من أيام السنة الهجرية، وقيل إنّ في مقبرة مدينة تريم سبعين بدريًّا شاركوا في غزوة بدر. 

قد برز الكثير من أبناء مدينة تريم في مختلف المجالات العلمية والدينية، كما أنتجوا المئات من المؤلفات في التفسير والحديث واللغة والجغرافيا وغيرها من العلوم، وأغلب هذا التراث ما زال موجودًا محفوظًا في مكتبة الأحقاف التي تحتل الطابق الأعلى من الجامع الكبير في تريم، وهي تلي في أهميتها مكتبة الجامع الكبير بصنعاء، وتحتوي على ستة آلاف ومئتَي عنوان، من بينها مخطوطات يدوية حضرمية مكتوبة بخط فني رائع موقوفة على طلبة العلم من مدينة تريم وبعض المناطق الأخرى.

ومدينة تريم ذات بيوت ومبانٍ جميلة تتميز بفنٍّ معماري فريد، وخاصة بيوت آل الكاف، والمدينة القديمة كان لها سور دائري من الطين لها بوابتان للدخول والخروج من المدينة، وتسمى البوابة الرئيسية بوابة هاشم

منقول بتصرف من عدة مصادر

Previous ArticleNext Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *