المجتمع

تأثير الألعاب الإلكترونية على التنشئة الاجتماعية للأطفال

بلعالية دومة أسماء

 إن الحديث اليوم عن الطفل والطفولة يختلف عنه فيما مضى من السنوات وذلك نظرا لدخول مؤثرات جديدة وتقنيات مستحدثة اقتحمت حياة البشر بما في ذلك الكثير من المعتقدات والأفكار والعادات الاجتماعية وبالتالي التأثير المباشر على أنماط وأشكال التنشئة التي يتلقاها الطفل منذ وقت مبكر من عمره. فقد أصبح التطور التكنولوجي محل اهتمام الباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية لأنه شمل كل الفئات العمرية حتى الأطفال، وكل الثقافات والمستويات وأيضا كل مجالات الحياة بما في ذلك مجال التسلية والترفيه، أصبح الترفيه عبارة عن “صناعة” تضم مواضيع وأساليب متنوعة مثل ألعاب الفيديو(games video ( التي أصبحت تستقطب بالخصوص فئة الأطفال لما فيها من إثارة ومتعة وتشويق بالإضافة إلى استخدام الألوان والصور والأصوات المثيرة التي تستهوي الطفل وتؤثر عليه إلى حد كبير خاصة وأا تعتمد على خاصية “التفاعلية” التي لم يستطع التلفزيون تقديمها بهذه الدرجة بالرغم من تأثيره الكبير في سنوات مضت. ويزداد التأثير السلبي لألعاب الفيديو مع تعلق الأطفال الشديد ا وصولا إلى مرحلة الإدمان ومن ثم يفقد الطفل الكثير من أساسيات الطفولة والخصائص الاجتماعية بالتالي ما ينعكس على تنشئته الاجتماعية. هنا تظهر إشكاليات أخرى تتعلق باستخدام هذه الألعاب ومدى ملاءمتها للمحيط الاجتماعي للطفل، كذلك مو قف الأسرة منها. يمكن أن يوجهنا هذا لطرح تساؤل رئيس: ما هي انعكاسات ألعاب الفيديو على التنشئة الاجتماعية للأطفال؟

وطرح تساؤلات فرعية: _

_ ما هي إيجابيات استخدام الطفل لألعاب الفيديو؟

 _ما هي سلبيات استخدام الطفل لألعاب الفيديو؟

_ما مدى التعارض المحتمل بين خصائص الفضاء الافتراضي وتنشئة الطفل اجتماعيا؟

 _ ما هو تأثير االعالم الافتراضي في ألعاب الفيديو على سلوكيات الطفل وتنشئته الاجتماعية؟

 لاشك أن اللعب بالنسبة للطفل هو أول وأهم طريقة يتعلم من خلالها، ليس هذا فحسب لكنه يزوده أيضا بالخبرات الاجتماعية وينمي المجال المعرفي “ويمكن للّعب أن يكون نشاطا ذهنيا أو بدنيا يقوم به الطفل لتلبية ّ ذكاءه وحسه من تصريف طاقاته في المنحى السليم (01 (حاجات مختلفة، إما أن يكون اللعب فرديا أو جماعيا، منظما أو تلقائيا، موجها أو ذاتيا” واللعب ما هو إلا استعداد فطري وطبيعي يمثل مظهرا من مظاهر الطفولة السليمة.

نمو اللعب لدى الطفل:

 لعب الطفل إنما يدل على أنه في أحسن حالاته النفسية والجسمانية، فهو يساعده على النمو من جميع النواحي فهو يسمح باستكشاف الأشياء والعلاقات بين الأشياء، وهو يسمح له بالتدريب على الأدوار الاجتماعية، وهو إلى جانب ذلك يخلصه من انفعالاته السلبية ومن صراعاته وتوتره ويساعده على إعادة التوافق، كل ذلك دونما مخاطرة أو التعرض لنتائج ضارة. وكما أن النمو يسير في مراحل معينة فكذلك اللعب باعتباره متصلا اتصالا وثيقا بالنمو، فالأشياء التي تثير اهتمام الطفل في الثانية من عمره تختلف عن تلك التي تثير اهتمام طفل السادسة، وعلى هذا يمكن النظر إلى لعب الطفل من منظور نمائي نتعرف بها على مراحل نمو اللعب لدى الطفل، وذلك على النحو التالي:

 اللعب في سن العامين:

يتميز لعب الطفل في هذه المرحلة بأنه تلقائي حر تنقصه القواعد والتنظيم وأنه فردي وليس جماعي يشتق الطفل في بداية الأمر متعة من استثارة أعضاء الحس ومن اللعب بأطرافه. وعلى ذلك نجد أن الطفل في سن ثلاثة شهور الأولى تنمو قدرته على التحكم بيديه لدرجة تمكنه من اللعب باللعب، وفي هذه السن أيضا يشتق متعة من الانقلاب من الظهر إلى أحد الجانبين ومن الضرب برجليه والارتداد إلى الوضع الأول.. وفيما بين خمسة إلى ثمانية شهور يصبح اللعب أقل عشوائية، ويصبح اللعب في حركات أكثر تناسقا من ذي قبل، وفي الربع الأخير من العام الأول من عمره يتكون لعب الطفل من الدفع بالرجلين والاهتزاز والميل على مسند الكرسي، والدوران حول نفسه و اللعب في أصابع قدميه والزحف حتى مكان اللعبة، وجذب نفسه إلى وضع الوقوف والجلوس والتحريك والتسلق وتحريك الأثاث ونفخ الهواء بفمه. وهناك من يرى أن بعض ضروب معينة من اللعب تكون شائعة لدى الأطفال قبل اية السنة الأولى من أعمارهم، إذ يذكر “جيزل” على سبيل المثال أن اللعبة المعروفة ب”لعبة أراك مختبئا هناك” المحببة لدى الأطفال يمارسها 50 بالمائة منهم في الشهر التاسع من العمر وبطبيعة الحال يمكن القول أن هناك نمطا من اللعب يحدث بين الطفل وأمه أو بين الطفل وأبيه لأنهما الشخصان المحببان إليه، ومن ثم مع أشخاص آخرين مقربين أو مألوفين لديه.

وقد أشار الكثير من علماء النفس إلى شواهد عديدة جمعوها من ملاحظات على الألعاب الخيالية التي يقوم  الأطفال خلال سنة وستة أشهر أو سنتين من أعمارهم، من هذه الملاحظات ما يشير إلى أن البنت قد تطعم دميتها من الطعام غذاء وهميا وقد تعد بنت أخرى أثاث بيت الدمية التي تمتلكها. والخلاصة أنه في خلال العام الثاني من حياة الطفل يصبح اللعب أكثر تنظيما. كما تستخدم اللعب في عدة أنواع من نشاط اللعب، ففي سن الخمسة عشر شهرا يلعب الطفل بالأشياء، يلتقطها ثم يقذف ا ثم يلتقطها ثانية وهكذا لفترة طويلة، فقد يدمر لعبه أثناء اللعب ا دون وعي منه بذلك، وعندما يصل إلى الشهر الثامن عشر فإنه يجذب اللعب ويحمل أو يعانق الدمية أو الحيوان ويقلد نشاط الكبار كقراءة الصحف والكتب ويشترك بحيوية في أي نشاط يدور حوله. وفي النصف الثاني من العام الثاني يصبح مهتما بالدمى فيأخذها بين يديه أو يعانقها أو يقبلها كما يميل إلى الحيوانات الأليفة، ويقوم بإدخال الأشياء في بعضها البعض ثم يفصلها كما قد يرسم خطوطا عشو ائية بالطباشير، وعندما يوجد مع أطفال آخرين فإنه لا يلعب معهم لكنه يجاريهم في لعبهم ويوجد قليلا من الأخذ والعطاء الاجتماعي وكثيرا من الاستيلاء والخطف للعب الآخرين. وهكذا يمكن القول أن أساليب اللعب لدى الأطفال تتطور بشكل جذري ما بين الإثني عشر شهرا والأربعة والعشرين، فاللعب الذي كان قوامه التعرف على الأشياء واستكشاف خصائصها الطبيعة بدأ يقل بشكل واضح ويحل محله نوعان آخران من اللعب، النوع الأول هو ذلك النوع الذي يقرن فيه الطفل الأشياء ببعضها البعض يصبح فيه الطفل أكثر تنظيما كما أنه يستطيع أن يقوم بتركيبات أكثر تعقيدا، مثل هذا اللعب ينم عن معرفة الطفل بطبائع الأشياء واستخدامه لهذه المعرفة. أما النوع الثاني من اللعب فهو اللعب الادعائي أو الإيهامي، يمكن للطفل أن يتظاهر بالنوم بأن يغمض عينيه أو أنه يشرب من كوب فارغ وهكذا.

لعب الأطفال في سن ما قبل المدرسة:

يحتاج أطفال ما قبل المدرسة إلى من يساعدهم على التمثيل الدرامي مثل الدمى والعرائس وملابسها، وكذلك إلى مواد تتيح لهم الفرصة لممارسة الفنون الابتكارية مثل الألوان وخامات التشكيل الفني وأجهزة التسجيل..كما يقبلون في هذه المرحلة على اللعب بالدراجات والعربات ويستعملون أدوات يستخدمها الكبار مثل المكنسة والفوطة وغيرها.. أما الطرق الحديثة مثل الكمبيوتر وأشرطة الفيديو فتلعب دورا هاما في تنمية مفاهيم الطفل وقدراته اللغوية والرياضية وتوفر الفرص لتنمية الابتكارية ولكل نوع من اللعب أدواته وتجهيزاته الخاصة به.

 أهداف الأنشطة اللعبية:

اللعب هو مدخل وظيفي لعالم الطفولة ووسيط تربوي فعال بتشكيل شخصية الفرد في سنوات طفولته، وهي تلك الفترة التكوينية الأساسية للبناء النفسي في مراحل نمو الأطفال الأولى. ولأن اللعب بالنسبة للطفل نشاط مهم لحياته الطبيعية، فهو يخدم أهدافا عديدة أهمها: _

أن يكون للأطفال دافعية مرتفعة لممارسة الألعاب المختلفة حسب ميولهم وفي حدود قدراتهم _تنمية وتدعيم الاتجاهات الموجبة للأطفال نحو الألعاب المختلفة والمتنوعة.

. _تنمية خيال الأطفال أثناء اللعب باعتبار أن الخيال هو الأساس في اللعب.

_أن يكون الأطفال أكثر مرونة في التفكير في التغلب على العوائق المختلفة في المواقف الحقيقية في الحياة وذلك من خلال اللعب.

 _أن يبتكر الأطفال من خلال اللعب ألعابا جديدة.

_أن يكونوا أكثر حبا للاستطلاع ومتفتحين عقليا.

_أن يكون الأطفال قادرين على إنتاج أفكار جديدة تتسم بالجدة والأصالة من خلال اللعب.

_أن يكون الأطفال وعيين بالخصال الإيجابية في الشخص المبتكر.

_تعرض الأطفال لما يسمى بالتدعيم بالعبرة.

_ أن يكون الأطفال أكثر إلماما بالمعلومات الحديثة عن طبيعة الإبداع والابتكار وذلك من خلال اللعب.

_ تدريب الأطفال على اللعب وكيفية قيامه بالأدوار المختلفة بطرق غير مألو فة وهو أيضا أحد أهم المسؤوليات التي تلقى على عاتق الأسرة بالدرجة الأولى حيث تخضع هذه الأخيرة لوسائل التغير الثقافي والاجتماعي ، فنلاحظ اليوم أن التغيير شمل أساليب وطرق اللعب العملية التي يحدث من خلالها تغيير وتبديل البنيان والوظيفة الاجتماعية للنظم الاجتماعية وطرق اللعب فقد اختلفت وتطورت عن السابق خاصة بتراجع دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية التقليدية الأخرى و ظهور أجهزة الحاسوب والإنترنت والألعاب الإلكترونية الفائقة في الدقة والتصميم والمرونة وشدة الإثارة والتأثير، حيث تعرف بأنها عبارة عن جميع أنواع  الألعاب المتوفرة على هيئات الكترونية، وتشمل ألعاب الحاسب، وألعاب الإنترنت، وألعاب الفيديوPlaystation وألعاب الهواتف النقالة، وألعاب الأجهزة الكفية المحمولةdevices palm

كما عرف المدرب والمتخصص في شئون المراهقين فهد الحمدان الألعاب الإلكترونية بأنها استخدام للتقنية و الرسوم المتحركة – من قبل شركات متخصصة – في تقديم تنافس مع الحاسوب أو مع لاعب آخر – موجود فعليا أو عبر النت – يتم فيها إشباع حاجة اللاعبين إلى الفوز والشعور بنشوة الانتصار وتسود روح التحدي و المغامرة عبر مراحل متعددة تتدرج من السهولة إلى الصعوبة وهناك العديد من الأسباب التي تفسر تعلق الأطفال بهاته الألعاب أهمها:

أنهاعامل جذب:

إن الألعاب الإلكترونية بمختلف أنواعها تجذب الأطفال بما توحيه لهم من معارك حقيقية في الأدغال أو توهمهم دخول عصور ما قبل التاريخ مثل قتال الديناصورات والفضاء، وكما ذكرنا في الأعلى أن الرسوم والألوان والخيال والمغامرة عامل جذب رئيس للأطفال.

نقطة تركيز:

أفكار وموضوعات الألعاب الإلكترونية متنوعة، إذ يقدمون أحيان سباقا للسيارات يتعود الطفل من خلاله على التركيزوتجنب الحواجز والقيادة إلى حد ما، أو يقدمون ألعاب «السوبرمان» أو يقدمون ألعابا للخيال العلمي في الفضاء أو شخصية بطل خارق على نمط الأشرار، ويتغلب على المصاعب.

 التماثل مع الأبطال

 تشكل الألعاب الإلكترونية بالنسبة للطفل إطارا يتمثل فيه بطلا يتحرك وينتقل، ويعدل سلوكه، والطفل يندمج مع البطل، وإن التداخل والتكامل اللذين توفرهما لعبة الفيديو، يسهمان في تعلق الأطفال بهذه الألعاب، وتوفر للطفل إمكان التماثل مع الأبطال من خلال تعرضها لعقبات كالألغام والمتفجرات والعوائق الطبيعية التي يتوجب على بطل اللعبة التعامل معها.

عالم وهمي

الألعاب الالكترونية تخلق للأطفال عالم وهمي بعيدا عن العالم اليومي، ولكنه محدد في الزمان والمكان، ويمثل موقعًا ماديا وأحداثا توفر له إمكانية تمثيل ذاته في إطار ما من خلال اندماجه ببطل معين، يحقق ذاته من خلال محاولته السيطرة على هذا العالم.

_ السييطرة على الذات

 إن الأسباب الكامنة وراء تعلق الأطفال بالألعاب الإلكترونية والفيديو؛ هي نفس الأسباب الكامنة وراء ممارسة أية لعبة، حيث يمثل إطار اللعبة جزءا من النشاط الاجتماعي، يسعى الطفل من خلاله إلى السيطرة على ذاته وعلى العالم كما يتمثل العنصر الأساسي بالنسبة لهذه الألعاب في التفاعل حيث يركز المطورون لهذه الألعاب أن يكون المستخدم لها متفاعلا مع أحداث اللعبة تفاعلا تاما، ألعاب الفيديو التي هي في غالبها صور وشخصيات متحركة تجذب المستخدم بأصواتها وألوانها وأيضا ما تحتويه اللعبة من أحداث وقصص من شأنها أن تقود الناس لشراء هذا الترفيه المسلي فإن هذا المحتوى يحاكي واقعا أو وقائع معينة بغية التسويق من قبل هذه الشركات ومن الطبيعي أن يترتب على هذه الجاذبية الخاصة لألعاب الفيديو لدى الطفل أثر واضح على شخصيته، وهذا الأثر هو نتاج التفاعل الواقعي الحيوي بين خصائص اللعبة وخصائص المستخدم لها.

لأن الطفل بعد خروجه من المرحلة الأولى _بعد السنة الثالثة من عمره_ يبدأ بالبحث والتجديد والاكتشاف ويشمل ذلك أنواع اللعب “أي أنه يتجه نحو لعب من نوع آخر ووجدانه يتعلق بالأشياء الحية والمتحركة..ويستطيع الآن استعمال قدراته العقلية والحركية في مزاولة ألعاب تعليمية لكل مرحلة. هذا تحديدا ما يبرر تعلقه الشديد في المراحل القريبة من عمره بألعاب الكمبيوتر التي توفر له مجالا افتراضيا في غاية الدقة والتفاني في عرض اللعب والبرامج والألوان والأكثر أهمية من ذلك أنها مجال خيالي واسع يجعل الطفل أمام تحد كبير يفرض من خلاله وجوده وقوته وطاقته بالموازاة مع كونه يكتسب من خلاله خبرة ومعلومات أو مهارات طبعا حسب نوع اللعبة. وإن كانت هذه الألعاب تحفز الأطفال على المنافسة وتحقق لهم المرح والمتعة والتعليم في كثير من الأحيان إلا أنه لا يمكن تجاهل مخاطرها وآثارها السلبية التي تختلف وتتنوع وتزداد حدة بحسب نوع الألعاب والمادة التي تعتمد عليها

. إن المجال الافتراضي المتاح في ألعاب الحاسوب عموما له تأثيراته البالغة على الأطفال، لكن قبل ذلك ينبغي توضيح مفهومه بشكل ّ عام، إذ تلاحظ التعريفات المعجمية للافتراضي أنه كثيرا ما يستعمل للإشارة إلى شيء ما يوجد في الذهن أو متخيل أو يخلقه أو يخيله  الحاسوب.وتتضمن مادة الافتراضي في معجم أكسفورد الإنجليزي من بين ما تتضمنه من استعمالات للكلمة أنه يوجد في جوهره أو أثره وإن لم يكن موجودا أو صوريا أو فعليا فيسمح بأن يطلق عليه الاسم بقدر ما يتعلق الأمر بالأثر أو النتيجة، ويقدم معجم أكسفورد أيضا تعريفا من نظام الحاسوب: لا يوجد ماديا في ذاته لكن يجعله البرنامج المرن يبدو أنه يوجد من وجهة نظر البرنامج أو المستخدم.

في الاستعمال المعاصر غالبا ما يستعمل الافتراضي كنعت يدل على شيء يقترب من الحقيقة، كما في القول: يفترض أنه مؤ كد، بمعنى أنه مؤكد تقريبا. وفي عالم الممارسة التكنولوجية هناك إحالة إلى الافتراضي بوصفه بناء تكنولوجيا يراد منه أن ينقل عن طريق الحواس و/أو الخيال إحساسا بالواقع، وغالبا ما يستعمل مرتبطا بالوسائل البصرية التي يحدثها الحاسوب، كما في الواقع الافتراضي. وفي كتاب “المصطنع والاصطناع” مثلا يصنف “جان بودريارد” الافتراضي على أنه ينتمي إلى صنف التخييل، لأشياء ليست واقعية لكنها واقع، أو تمثيلات تحل في النهاية محل الواقع كما أن المواد والصور والشخصيات الافتراضية المعروضة من خلال العاب الفيديو تحيل في معظمها إلى سياق اجتماعي وثقافي مخالف تماما للواقع والبيئة التي نعيش فيها بل إن هذه المواد تناقض القيم الاجتماعية وتزرع في نفوس النشء الجديد من الأطفال روح العدائية ليس فقط على مستوى الأفكار بل من خلال التقليد والمحاكاة لهاته الشخصيات يجعل الطفل في رغبة دائمة للتملك والانتصار كما يتحاشى إحساس الخسارة أو الضعف أو طلب الصفح وغيرها من القيم السامية

ففي دراسة بكندا تم الاطلاع على ثلاثين ألف من الألعاب الإلكترونية وتم رصد اثنتين وعشرين ألفا تعتمد على فكرة الجريمة والقتل والدماء. وذكرت دراسة أمريكية حديثة أن ممارسة الأطفال لألعاب الكمبيوتر التي تعتمد على العنف يمكن أن تزيد من الأفكار والسلوكيات ً العدوانية عندهم. وأشارت أيضا إلى أن هذه الألعاب قد تكون أكثر ضررا من أفلام العنف التلفزيونية أو السينمائية لأنها تتصف بصفة التفاعلية بينها وبين الطفل وتتطلب منه أن يتقمص الشخصية العدوانية ليلعبها ويمارسه

هنا تظهر أهمية التنشئة الاجتماعية من حيث كونها “عملية تربوية تسهم فيها روابط تربوية متعددة على نحو مقصود، ويتمثل الفكر، القيم، المعايير والرموز، ويتعلم ضروب السلوك التي تشيع في الحضارة فيتحول من مجرد كائن بيولوجي إلى إنسان ناضج مؤهل يشغل وضعا أو أوضاعا في الجماعة التي ينتمي إليها. لأن الإنسان يولد عاجزا غير مزود بمهارات التوافق والتكيف الفطرية التي تولد بها الحيوانات. وحياة الإنسان في جماعة وتفاعله مع الآخرين وتمثله لعناصر حضارتها هي من الشروط الضرورية لتحقق عملية التطبيع الاجتماعي بصوره طبيعية كما أن هذه العملية ضرورية لتحويل الفرد من كائن بيولوجي إلى إنسان ناضج. ويختلف ناتج عملية التطبيع باختلاف الوسائط المختلفة فيها، وبعكس ما هو شائع في الكتابات الأولى فإن التنشئة الاجتماعية لا تتوقف بعد مرحلة الطفولة وبلوغ الشباب، ولكنها تستمر في مراحل دورة الحياة المختلفة”.

 فالتنشئة الاجتماعية تقتضي منح الطفل قدرات اجتماعية تؤهله لأداء وظائفه كفرد فاعل في بيئته، حيث يعرفها ابن خلدون في مقدمته بأنها عملية بواسطتها يستطيع الأفراد اكتساب معارفهم وأخلاقهم وما يتحلون به من المذاهب والفضائل تارة علما وتعليما وإلقاء وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة ولأنها أيضا “تعتبر عملية تعلم اجتماعي يتعلم فيها الفرد عن طريق التفاعل أدواره الاجتماعية والمعايير التي تحدد هذه الأدوار ويكتسب الأنماط والاتجاهات السلوكية التي ترتقيها الجماعة ويوافق عليها المجتمع.

 هنا تحديدا تظهر نقطة الصدام بين ما يمكن أن يؤدي إليه استمرار الأطفال في اللعب الإلكتروني من انعزالية وتقمص لشخصيات عدوانية ورغبة مفرطة في الفوز مهما كانت العواقب وكذلك الأنانية وحب التملك عدا عن ذلك ظهور الكثير من الاضطرابات النفسية والسلوكيات الشاذة والغريبة. وذلك رغم أن هذه الألعاب تفيد الطفل في تقوية قدر اته الخيالية وإبداعاته الفكرية وبين دور التنشئة الاجتماعية في يئته اجتماعيا ليتقبل ويتبنى _تلقائيا_ ثقافة مجتمعه وعاداته من أجل الاندماج والتعاون والتشارك والمساهمة لخلق عضو نافع له مقومات شخصية سوية قادرة على العطاء اجتماعيا

 مع العلم أن التلفزيون كان له السبق في ظهور أعراض العنف والعدوانية المذكورة سابقا، “إضافة إلى كون برامجه تدفعهم إلى الانطواء والانسحاب من الواقع والتكهف داخل أنفسهم، الأمر الذي يشكل إعاقة التنشئة الاجتماعية للأطفال حين يفضلون العزلة وعدم الاختلاط مع الآخرين في محيطهم الخارجي ولهذا أثره في تشكيل شخصية الطفل فيما بعد حيث يعمل على منظومة الاستعدادات التكوينية ، ويزداد الأمر خطورة إذا تعلق بالألعاب الالكترونية.

حيث أن العلاقة جد منطقية بين زيادة مدة استعمال هذه الألعاب وبين تقليص أو حتى إقصاء وتهميش الممارسة الاجتماعية والطبيعية لتي تحدد بعد المشاهدة طبيعة القيم السلوكية والفكرية التي يتقبلها أو التي يعمل على ترسيخها في ذهنه” بالألعاب الإلكترونية ّئة وتكوين ثقافة مشوهة والانفصام عن الواقع لدرجة الخصومة والعداء دون أن نتجاهل تراجع مستوى تحصيلهم الدراسي مع هوسهم بالتكرار القهري لسلوك اللعب وبالتالي انخفاض المدة المخصصة للدروس.

كما أن نسبة كبيرة من الألعاب الإلكترونية “تعتمد على التسلية والاستمتاع بقتل الآخرين وتدمير أملاكهم، والاعتداء عليهم بدون وجه حق، وتعلم الأطفال والمر اهقين أساليب ارتكاب الجريمة وفنونها وحيلها، وتنمي في عقولهم قدرات ومهارات آلتها العنف والعدوان ونتيجتها الجريمة،،. وهذه القدرات مكتسبة من خلال الاعتياد على ممارسة تلك الألعاب. . حيث يقول الدكتور «كليفورد هيل» المشرف العلمي في اللجنة البرلمانية البريطانية لتقصي مشكلة الألعاب الإلكترونية في بريطانيا: لقد اغتصبت براءة أطفالنا أمام أعيننا وبمساعدتنا بل وبأموالنا أيضا ً وحتى لو صودرت جميع هذه الأشرطة، فإن الأمر سيكون متأخر للغاية في منع نمو جيل يمارس أشد أنواع العنف تطرفا في التاريخ المعاصر.

وللتأكيد على مدى خطورة تأثيرات ألعاب الحاسوب في نفسية الأطفال، “أجرت جامعة لوبلين الكاثوليكية في بولندا بحوث على مجموعات من الصبيان دلت النتائج أن الذين يملكون حاسوبا في البيت يخصصون للألعاب ما متوسطه قرابة 10 ساعات في الأسبوع، وتبين أن لديهم _بالإضافة لمؤشرات السلوك العدواني_ توتر انفعالي عالي وشكوك وحذر وسرعة غضب كما أن تخطيطهم وأهدافهم تركز على ماذا يملكون أكثر من مسألة ماذا يكونون.

وبإجراء مقارنة بسيطة بين ألعاب الفيديو ومشاهدة التلفزيون والألعاب الأخرى “يمكن أن نعتبر تجربة الطفل مع ألعاب الفيديو شكلا من أشكال اللعب بصورة أكبر من المشاهدة التلفزيونية غير أنه بينما يتيح نوع اللعب الذي تقدمه هذه الأجهزة هامش أمان أوسع للنشاط العقلي وحتى لتفريغ الخيال من مجرد مشاهدة جهاز التلفزيون، إلا أنه لا يرقى إلى أشكال كثيرة من اللعب أقدم وأكثر بساطة. كما أن الألعاب الإلكترونية تستولي على الطفل وتحرمه من الألعاب التقليدية البسيطة التي توفر له المرح وتصريف وإعمال طاقاته العقلية والبدنية.  بالإضافة إلى اللعب الجماعي المباشر الذي يساعده على التكيف والاكتساب الاجتماعي الذي يقوم ويضبط سلوكياته لاحفا ويضمن – نسبيا – التنشئة الاجتماعية السليمة للطفل.

إن الخاصية الأهم بالنسبة لألعاب الفيديو هي كونها مجالا افتراضيا يقدم نسخة تحاكي الحياة الطبيعية للبشر أو تكاد تكون بديلا عن الواقع أو “واقعا وهميا” كما اصطلح على تسميته، إنه الفضاء الإلكتروني الذي يقدم الخدمات والمعلومات و الترفيه والتسلية والتفاعل والإثارة.. لكن كل هذه الإمكانيات بالمقارنة مع طفل اليوم تفتح الطريق لطرح الأسئلة : كيف سيتعامل هذا الطفل مع العالم الحقيقي بعد أن يتشبع بثقافة الكترونية تقدم له كل الوسائل والإمكانيات؟ وكيف سيتم تكوينه وتنشئته اجتماعيا؟ وإلى أي مجال سيفضل أن ينتمي؟ بل وكيف سيتعامل ويعالج مشكلات حياته ومجتمعه وأسرته لاحقا؟..والعديد من الأسئلة الأخرى.

“إن خبرات التنشئة الاجتماعية التي يتعرض لها الطفل تشكل جزئيا هويته ومعارفه واتجاهاته ومواقفه وشخصيته وهذه الخبرات والعمليات التربوية يتعرض لها الأطفال عن طريق الأسرة والمدرسة وجماعة الرفاق وأدوات الإعلام” والتي كان في مقدمتها التلفزيون على اعتبار أنه أقل خطورة وضررا من الإنترنت والألعاب الإلكترونية اليوم. وأيا كانت مصادر هذه الخبرات فإن الوعي الكامل بأخطارها وأبعادها وحدود استخدامها يبقى أهم موضوع تتناوله الأبحاث والدراسات لأنه لا يتعلق بحالة أو بفرد لكنه يتعلق بخصائص جيل بأكمل.

Previous ArticleNext Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *